مات أبا طالب سنة عشـــ10ــر من البعثة ، بعد الخروج من الشعب بقليل .
مات على كفر، على الرغم من حمايته للرسول صلى الله عليه وسلم .
عن ابن المسيب عن أبيه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أبي طالب عندما حضرته الوفاة ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عم : قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فأنزل الله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين .. ونزل : إنك لا تهدي من أحببت ) متفق عليه .
وعن العباس . ( أنه قال يا رسول الله ! هل نفعت أبا طالب بشيء فإنــه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : نعم ، هو في ضحضحاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفــل من النار ) متفق عليه .
( ضحضحاح ) الضحضحاح من الماء ما يبلغ الكعبين ، والمعنى أنه خفف عنه العذاب .
حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على وفاته لأنه كان يحوطه ويغضب له وينصره ، وقد تقدم قريباً قول ابن مسعود ( وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه ) .
وأخباره في حياطته والذب عنه معروفة مشهورة ، ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّدَ في التراب دفينا
الحكمة من استمرار أبي طالب على دين قومه
قال ابن كثير ( وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى ، ومما صنعه لرسوله من الحماية ، إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة ، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه ولاجترؤا عليه ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه ) .
ماتت خديجة في السنــة العاشرة من المبعث ، وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين .
فاشتد غضب قريش على الرسول الكريم وآذوه أذى شديداً .بعد ذلك خرج الرسول الكريم إلى الطائف .و كان معه مولاه زيد بن حارثة .
ولكن أهل الطائف لم يجيبوه وآذوه وأخرجوه .
قال ابن القيم ( فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه ) .قيل أقام بالطائف : شهر ، وقيل : عشرة أيام .
لقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في طريقه قال ابن القيم ( وفي طريقه لقي عداساً النصراني فآمن به وصدقه ) .
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهموماً مغموماً ، فأرسل الله إليه ملك الجبال ليكون رهن إشارته إذا أحب أن يطبق عليهم الأخشبين .عن عائشة . قالت ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ قال : لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت _ وأنا مهموم _ على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ثم قال : يا محمد ! إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً ) متفق عليه .( ملك الجبال ) المراد الملَك الموكل بها . ( الأخشبين ) هما جبلا مكة أو قبيس والذي يقابله ، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما .
بعض الفوائد والعبر مما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلته للطائف
_ بيان ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم يأسه مهمـا عظم البلاء ، يدل على ذلك خروجه إلى الطائف يطلب النصرة .
_ بيان سوء معاملة أهل الطائف ، ومع هذا لم يدع عليهم صلى الله عليه وسلم ، بل دعا لهم ( اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم ) واستجاب الله له فيهم فأتوا بعد حصارهم وآمنوا وأسلموا .
_ بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه ، ومزيد صبره وحلمه ، وهو موافق لقوله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) وقوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين